“سيدي الرئيس!” صاح احد الحراس الشخصيين لسيادة الرئيس…
“إن حياتك في خطر محدق سيدي الرئيس!”
“لماذا؟ ما الذي يحدث؟!” صاح الرئيس.
“الناس غاضبون. إنهم يريدون أموالهم و ممتلكاتهم التي استملكتها الدولة” رد الحارس…
“و لماذا هم غاضبون؟؟!” تساءل الرئيس…
“لأنهم… لأنهم يردون استرجاعها!”
“حمقى!” صرخ الرئيس بها و هو يمشى نحو كرسيه بخطوات بطيئة و واسعة…
علت ابتسامة شيطانية وجهه و هو يستند إلى كرسيه الجلدي الفاخر. نظرت عيناه إلى السقف و شبك أطراف أصابع يديه و سكت لبرهة و كرسيه يهتز إلى الأمام و الخلف…
“ألا يعلمون أن بهذا نحفظ ممتلكاتهم من اللصوص و الاستغلاليين؟ هل نزع منهم ذاك الإحساس بالوطنية و التضحية للوطن بالغالي و النفيس؟ هل نسوا تلك الأيام التي كنا نفتح فيها مخازننا لهم و نمدهم بالطحين و الزيت ليعيشوا و يقتاتوا… ليسدوا جوعهم و نجعلهم يعيشوا ليروا يوماً آخر في هذه الدنيا؟؟؟ السنا نحن المسئولين عن حفظ الأمن للوطن و المواطن و الم نقم بهذه المهمة بأفضل أداء مبعدين كل الفوضويين و الحاثيين على تخريب النظام في غياهيب السجون أو خارج البلاد؟؟؟”
علت على وجهه نظرة غاضبة و هو ينظر إلى حارسه الشخصي.
صمت حارسه و هو يقف تلك الوقفة العسكرية الصارمة في بدلته السوداء و وجهه الذي غُطيَ اغلبه بنظارة سوداء و لحية غير محلوقة جيداً…
دار الرئيس بكرسيه الدوار إلى الوراء، حيث كان أمامه نافذة زجاجية ضخمة تطل على العاصمة من مبنى الحكومة الرئيسي و الذي ارتفع 30 طابقاً أعلى من أعلى برج في المنطقة. اخرج من علبة فضية فاخرة سيجاراً كوبياً فاخراً و وضعه في فمه. أشعل السيجار من ولاعة مطلية بماء الذهب و أرجعها في جيب بدلته الأرمانية الرمادية. حرك أصابعه في شعره الرمادي المصبوغ باللون الأسود، و الذي اختلطت أطرافه باللون الأسود و الأبيض و الرمادي. اخذ نفساً عميقاً ثم تنهد بزفير بطيء…
“الذين يحركهم هم عملاء من دولة أخرى، صحيح؟”
“آه! لابد أنهم أتوا من تلك الدولة المجاورة. إنها تريد لنا أن نصبح جزءً منها، و تريد من الناس أن ينزلوا للشوارع و يطالبوا بتلك الأراضي و تلك الممتلكات لكي تصبح جزءً من تلك الدولة…”
“الخونة!!!” صرخ الرئيس بغضب، مديراً الكرسي و واقفاً باصطلاب.
“إنهم يردون أن يهبوا وطنهم لدولة أخرى على طبق من ذهب. يعتقدون أن تلك الدولة ستعطيهم أكثر مما نحن نهبهم و سترعاهم أفضل مما نرعاهم الآن… هذا لن يحصل…”
تقدم الرئيس نحو حارسه الشخصي بخطوات أبطأ و اعرض من السابقة، و هو ينظر إلى الأرض بذهن شارد.
“جوون…” قال الرئيس لحارسه الشخصي بلهجة هادئة.
“نعم سيدي!” رد حارسه الشخصي…
“هل سنهب البلاد لهؤلاء الغزاة؟” سأل الرئيس…
“كلا سيدي!!” رد الحارس و قد انتصبت قامته و علا صوته.
“إذا… ما الذي سنفعله لننقذ البلاد من هؤلاء الغزاة الغاصبين؟” تساءل الرئيس و هو ينظر إلى عيني حارسه الشخصي…
“علينا ان نطردهم خارج البلاد و نحميه من أمثال هؤلاء!!!” صاح جوون…
“حسناً!” استطرد الرئيس. “و ما الذي يجب أن نعمله الآن؟؟” قالها الرئيس و هو يدور حول حارسه ناظراً إلى كل جزء منه.
في تلك اللحظة، رد هاتف الرئيس. كانت نغمة الجوال أغنية قديمة لفيروز. لم يكن هذا الهاتف من احدث صيحات التكنولوجيا في عالم الهواتف المحمولة، بل كان ذو شاشة خضراء و جسم معدني لامع ينزلق نصفه عند الإجابة على المكالمة. أجاب الرئيس على المكالمة ثم أغلق الخط و هو غاضب و وضع يديه في جيب بنطاله و هو يزفر مرة اخرى…
“ما الذي حدث سيدي؟؟”
“لا شيء يا جوون. ليس من شأنك”
“حاضر سيدي…”
“جوون؟”
“نعم سيدي!”
كيف حال زوجتك؟”
“بخير سيدي”
“بلغها تحياتي…”
“حاضر سيدي”
“و الأولاد؟”
“توني عيد ميلاده العاشر يصادف اليوم! سأذهب لحفلته فيما بعد، و لينا ستدخل المدرسة قريباً” قالها جوون بسعادة.
اخرج الرئيس ورقة نقدية فئة 100 دولار و أعطاها لجوون. “هذه للعيال”
“شكراً سيدي” قالها جوون بلهجته المعهودة.
“حسناً…” قال الرئيس… “ما الذي كنا نقوله؟؟؟” “اووه نعم… عن هؤلاء الحثالة…” ضحك الرئيس. “لن يعيشوا أكثر من الذباب. سنسحقهم كلهم واحداً واحداً! و سنجعلهم يأسفون على قدومهم لهذه الدنيا بل و التفكير في البقاء على هذه الأرض لحظة واحدة اخرى” كتف الرئيس ذراعيه و هو ينظر إلى أرضية مكتبه الفاخرة المغطاة بالخشب البرازيلي الفاخر و جدران مكتبه المكسوة بالرخام الإيراني الممتاز و التي تلألأت عليها أضواء الثريات الكرستالية الضخمة المتدلية من سقف مكتبه.
“لا لا لا… لن ينجحوا في مآربهم الشيطانية. لن يسرقوا هذا الوطن المسكين و المواطن البريء… جوون!”
“نعم سيدي!”
“أقلت أن حياتي في خطر؟”
تلعثم جوون، ثم قال: “نعم سيدي!”
“هذا لا يهم” قال الرئيس. “مادامت حياتي فداءً للوطن فسحقاً لحياة بائسة مثل حياتي!!!!!!!”
“اجل سيدي!”
“جوون…”
“نعم سيدي؟”
“أتعتقد أن حياة شخص مثلي تساوي حياة فردٍ من هؤلاء الخونة؟”
“كلا طبعاً سيدي!!!”
“إذا لماذا أجبت بنعم؟” و هو ينظر إليه من آخر القاعة.
“لأنك يا سيدي…” سكت جوون لبرهة. “لأنك يا سيدي أكثر وطنية و شرفاً و إخلاصا من هؤلاء الحثالة يا سيدي!”
“عظيم!!!!!” رد الرئيس. “و الآن… اخبرني يا جون. لو كنت مكاني، لماذا فعلت الآن؟” سأل الرئيس.
“لكنت قد قضيت عليهم واحداً واحداً بيدي هاتان، و خلصت الوطن و الدنيا بأسرها من أناس مثل هؤلاء و لو كلفني ذلك حياتي!!!”
انتصب الرئيس بوقفة مستقيمة و قدمان ملتصقتان و هو منتشي من السيجار الذي كان يشربه و الكلام الذي قاله جوون بالقرب منه…
“يسسسسسس يا جوون! يس!” رد الرئيس.
“هذا كلام الرجال!” استطرد الرئيس…
فرح جوون برد الرئيس، ثم وصله إرسال من جهاز الاستقبال المثبت في بنطاله و المتصل بسماعة في اذنه.
“يس. يس… أي اندر ستاند… يس سير!”
اخرج جون مسدسه و أشهره في وجه الرئيس، ثم قال: “سوري سير… و لكني قد استلمت أوامر بالقضاء عليك الآن لأنك لم تعد تصلح للمهمة الموكلة إليك، و لم تجعل الشعب يقاتل بعضه البعض بل اتحد من اجل أن يقاتل عدواً مشتركاً. تعلم جيداً أنهم لا يريدون ذلك، بل يريدون أن تلهي الشعب بشيء حتى يتسنى لهم القيام بما يحلوا لهم و يسرقوا و ينهبوا و يقتلوا من دون أن يلتفت إليهم احد. اخشي انك لم تفهم الدرس جيداً سيدي و إني مضطر إلى فعل هذا. نوثينج بيرسونال، اوكي؟” لم يعطي خطاب جوون مجالاً للرئيس لفهم الأمر جيداً و الذي جعل الرئيس يتجمد في مكانه و السيجار بين إصبعيه بنظرات استغراب و عدم استيعاب.
لم تشفع العشر سنوات التي عمل فيها جوون مع سيده الرئيس لردعه عن سحب الزناد و إطلاق رصاصة اخترقت رأس الرئيس و لطخت شعيرات رأسه الرمادية باللون الأحمر القاتم. سقط السيجار على الأرض و تدحرجت حتى اصطدم بالجدار. مسح جون آثار الدماء عن بنطاله و معطف بدلته، ثم التقط الهاتف الموضوع على مكتب الرئيس – السابق – و أدار القرص على الهاتف. رد عليه صوت أنثوي بلهجة عربية محلية ثم قال: مات الرئيس. قتله الخونة! اجل، لقد قتلوه!! سننتقم، اجل سننتقم!!!! مات الرئيس… عاش الرئيس!!!!!!!!! عاش الوطن عاش!!!!!!!!! ثم أغلق السماعة و دخل من بعده مجموعة من الرجال و معهم كيس بلاستيكي اسود كبير يرتدون نظارات سوداء و بدلات و قبعات زرقاء بدت عليهم ملامح غربية فاتحة. أزالوا آثار الدماء من على الأرض و حملوا جثة الرئيس لوضعها في الكيس عندما سقط جوال الرئيس المرحوم على الأرض و تنويه رسالة نصية جديدة مستلمة ظاهر على الشاشة. داس على الجهاز احد الرجال بغيه تحطيمه و رمى بالباقي منه في سلة المهملات. مرت ثواني و الرجال غادروا المكان و كأن شيئاً لم يكن. ظل جوون واقفاً في مكانه طول الوقت و هو يبتسم ابتسامة شيطانية. تحرك خطوات مليئة بالغرور حتى وصل لتلك النافذة الزجاجية الضخمة المطلة على العاصمة. نظر إليها بغرور ثم قال: “مات سيدي الرئيس… عاش الرئيس!”…
“مات الرئيس… عاش الرئيس!!”
“ماااااااااااااات الرئيس، عاااااااااااااااااش الرئيس!!!!!!!!!!”
و هو يضحك ضحكة شيطانية قهقهها في أروقة المبنى من أوله لآخره، و من الطابق الثمانين حتى البوابة الرئيسية…